أشعار مؤلمة قصيرة
الرثاء
الرثاء من أكثر الموضوعات الشعرية التي تؤثر بقارئيه، فتجعلهم يجدّدون شعورهم بالفقد، ويتعاطفون مع الشاعر بل وربما يذرفون الدموع، ولقد عُرف عدد من الشعراء بهذا الغرض الشعري من أمثال الخنساء وأبي البقاء الرّندي، وسنذكر بعض هذه القصائد:
بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي
نظم ابن الرومي في رثاء ابنه محمد قصيدة مليئة بالعاطفة الصادقة البعيدة كل البعد عن التكلف، وتقول القصيدة:[١]
بكاؤكُما يشفي وإن كان لا يجدي
- فجودا فقد أودى نظيركمُا عندي
بُنَيَّ الذي أهدتهُ كفَّاي للثَّرَى
- فيا عزَّة َ المهدى ويا حسرة المهدي
ألا قاتل اللَّهُ المنايا ورميها
- من القومِ حَبّات القلوب على عَمدِ
توخَّى حِمَامُ الموت أوسطَ صبيتي
- فلله كيف اختار واسطة َ العقدِ
على حين شمتُ الخيرَ من لَمَحاتِهِ
- وآنستُ من أفعاله آية َ الرُّشدِ
طواهُ الرَّدى عنِّي فأضحى مَزَارهُ
- بعيداً على قُرب قريباً على بُعدِ
لقد أنجزتْ فيه المنايا وعيدَها
- وأخلفَتِ الآمالُ ماكان من وعدِ
لقد قلَّ بين المهد واللَّحد لبثُهُ
- فلم ينسَ عهد المهد إذ ضمَّ في اللَّحدِ
تنغَّصَ قَبلَ الرَّيِّ ماءُ حَياتهِ
- وفُجِّعَ منه بالعذوبة والبردِ
ألحَّ عليه النَّزفُ حتى أحالهُ
- إلى صُفرة الجاديِّ عن حمرة الوردِ
وظلَّ على الأيدي تساقط نَفْسْه
- ويذوِي كما يذوي القضيبُ من الرَّنْدِ
فَيالكِ من نفس تساقط أنفساً
- تساقط درٍّ من نِظَام بلا عقدِ
عجبتُ لقلبي كيف لم ينفطرْ لهُ
- ولو أنَّهُ أقسى من الحجر الصَّلدِ
بودِّي أني كنتُ قُدمْتُ قبلهُ
- وأن المنايا دُونهُ صَمَدَتْ صَمدِي
ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي
- وللرَّبِّ إمضاءُ المشيئة ِ لا العبدِ
وما سرني أن بعتُهُ بثوابه
- ولو أنه التَّخْليدُ في جنَّة ِ الخُلدِ
ولا بعتُهُ طَوعاً ولكن غُصِبته
- وليس على ظُلمِ الحوداث من معدِي
وإنّي وإن مُتِّعتُ بابنيَّ بعده
- لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نجدِ
وأولادنا مثلُ الجَوارح أيُّها
- فقدناه كان الفاجع البَيِّنَ الفقدِ
لكلٍّ مكانٌ لا يسُدُّ اختلالهُ
- مكانُ أخيه في جَزُوعٍ ولا جلدِ
هلِ العينُ بعدَ السَّمع تكفي مكانهُ
- أم السَّمعُ بعد العينِ يهدي كما تهدي
لَعمري لقد حالتْ بيَ الحالُ بعدهُ
- فيا ليتَ شِعري كيف حالتْ به بعدِي
ثَكلتُ سُرُوري كُلُّه إذْ ثَكلتُهُ
- وأصبحتُ في لذَّاتِ عيشي أَخا زُهدِ
أرَيحانة َ العَينينِ والأنفِ والحشا
- ألا ليتَ شعري هلْ تغيَّرتَ عن عهدي
سأسقيكَ ماءَ العين ما أسعدتْ به
- وإن كانت السُّقيا من الدَّمعِ لا تُجدي
أعينيَّجودا لي فقد جُدتُ للثَّرى
- بأنفس ممَّا تُسأَلانِ من الرِّفدِ
أعينيَّإنْ لا تُسعداني أَلُمْكُما
- وإن تُسعداني اليوم تَستوجبا حَمدي
عذرتُكما لو تُشغلانِ عن البكا
- بنومٍوما نومُ الشَّجيِّ أخي الجَهدِ
أقرَّة َ عينيقدْ أطلت بُكاءها
- وغادرتها أقْذَى من الأعْيُنِ الرُّمدِ
أقرة عينيلو فَدى الحَيُّ ميِّتاً
- فديتُك بالحوبَاء أوَّلَ من يفدِي
كأني ما استَمْتَعتُ منك بنظرة
- ولا قُبلة ٍ أحلى مذَاقاً من الشَّهدِ
كأني ما استمتعتُ منك بضمّة ٍ
- ولا شمَّة ٍ في ملعبٍ لك أو مهدِ
ألامُ لما أُبدي عليك من الأسى
- وإني لأخفي منه أضعافَ ما أبدي
محمَّدُما شيءٌ تُوهِّم سلوة ً
- لقلبي إلاَّ زاد قلبي من الوجدِ
أرى أخويكَ الباقِيينِ فإنما
- يكونان للأحزَانِ أورى من الزَّندِ
إذا لعِبا في ملعب لك لذَّعا
- فؤادي بمثل النار عن غير ما قَصدِ
فما فيهما لي سَلوة ٌ بلْ حَزَازة ٌ
- يَهيجانِها دُوني وأَشقى بها وحدي
وأنتَ وإن أُفردْتَ في دار وحْشة ٍ
- فإني بدار الأنسِ في وحشة الفردِ
أودُّ إذا ما الموتُ أوفدَ مَعشَراً
- إلى عَسكر الأمواتِ أنِّي من الوفْدِ
ومن كانَ يَستهدي حَبِيباً هَديَّة ً
- فطيفُ خيالٍ منك في النوم أستهدي
عليك سلامُ الله مني تحيَّة ً
- ومنْ كل غيثٍ صادقِ البرْقِ والرَّعدِ
شمل الهدى والملك عمّ شتاته
قال العماد الأصبهاني في مرثية فائقة النظم في صلاح الدين:[٢]
شملُ الهدى والمُلْكِ عمَّ شتاتُهُ
- والدَّهرُ ساءَ وأَقلعتْ حسناتُهُ
أَينَ الذي مُذْ لم يزل مخشيّةً
- مرجوَّةً رهباتُهُ وهباتُهُ
أَينَ الذي كانتْ له طاعاتُنا
- مبذولةً ولربِّهِ طاعاتُهُ
باللهِ أين الناصرُ الملكُ الذي
- للهِ خالصةً صَفَتْ نيّاتُهُ
أينَ الذي ما زالَ سلطاناً لنا
- يُرْجَى نَداهُ وتُتّقَى سَطَواتُهُ
أينَ الذي شَرُفَ الزَّمانُ بفضله
- وسَمَتْ على الفُضلاء تشريفاتُهُ
أَينَ الذي عنتِ الفرنجُ لبأسهِ
- ذلاً ومنها أدركتْ ثارتُهُ
أَغلالُ أَعناق العِدا أَسيافُه
- أَطواقُ أَجْيادِ الوَرَى منّاتُهُ
لم يُجْدِ تدبيرُ الطّبيب وكمْ وكمْ
- أَجدتْ لطبِّ الدَّهر تدبيراتُهُ
مَنْ في الجهاد صفاحُه ما أُغمِدتْ
- بالنّصر حتى أُغمدتْ صفحاتُهُ
مَنْ في صدور الكُفر صدرُ قناته
- حتى توارتْ بالصياح قناتُهُ
لذَّ المتاعبَ في الجهادِ ولم تكن
- مذ عاشَ قطُّ لذاته لذَّاتُهُ
مسعودةٌ غدواتُهُ محمودةٌ
- روحاتُهُ ميمونةٌ ضَحَواتُهُ
في نصرةِ الإسلامِ يسهرُ دائماً
- ليطولَ في روضِ الجنانِ سنانُهُ
لا تحسبوه ماتَ شخصٌ واحدٌ
- فمماتُ كلِّ العالمينَ مماتُهُ
ملكٌ عن الإسلام كان محامياً
- أبَداً إذا ما أَسلمتْهُ حُماتُهُ
قد أَظلمتْ مُذْ غابَ عنّا دُورُه
- لمّا خلتْ من بَدْرهِ داراتُهُ
دُفِنَ السماحُ فليس تُنْشَرُ بعدَما
- أَودَى إلى يوم النُّشور رُفاتهُ
الدينُ بعد أَبي المظفّرِ يوسف
- أَقوتْ قُراه وأَقفرتْ ساحاتُهُ
جَبَلٌ تضعضعَ مِنْ تَضَعْضُعِ ركنهِ
- أَركاننا وتهدُّنا هداتُهُ
ما كنتُ أَعلم أَن طوداً شامخاً
- يهوي ولا تهوي بنا مهواتُهُ
ما كنتُ أَعلمُ أَنَّ بحراً طامياً
- فينا يُطَمُّ وتنتهي زخراتُهُ
بحرٌ خلا من وارديهِ ولم تزلْ
- محفوفةً بوفودهِ حافاتُهُ
مَنْ لليتامى والأَرامل راحمٌ
- متعطِّفٌ مفضوضةٌ صَدَقاتُهُ
لو كان في عصر النبيِّ لأُنزلتْ
- في ذكْره من ذكْرهِ آياتُهُ
فعلى صلاح الدِّين يوسفَ دائماً
- رضوانُ ربِّ العرش بل صَلَواتُهُ
لضريحهِ سُقيا السّحاب فإنْ يغبْ
- تحضَرْ لرحمةِ رَبِّه سَقْيانُهُ
وكعادة البيتِ المقدَّسِ يحزنُ ال
- بيتُ الحرامُ عليه بلْ عرفاتُهُ
مَنْ للثغور وقد عدَاها حفظُهُ
- مَنْ للجهادِ ولم تَعُدْ عاداتُهُ
بكت الصّوارمُ والصّواهلُ إذ خلتْ
- مِن سَلِّها وركوبها غزواتُهُ
وبسيفه صَدَأٌ لحزن مصابهِ
- إذ ليس يشفى بعده صدياتُهُ
يا وحشتا للبيض في أَغمادِها
- لا تنتضيها للوغى عَزَماتُهُ
ملأتْ مهابتهُ البلادَ فإنّه
- أَسدٌ وإنَّ بلادَهُ غاباتُهُ
ما كانَ أَسرعَ عصرَهُ لما انقضى
- فكأَنّما سنواتُهُ ساعاتُهُ
قصائد في الفراق
كتب الشعراء عن هول موقف التوديع وما يلحقه من شوق وحنين وأحزان بل وأبدعوا في ذلك، ومن هذه القصائد:
ودعتها ومدامعي
علي بن أحمد بن علي بن فتح، من بني أمية. قاضٍ أندلسي، وهو من الأدباء الشعراء، وله القصيدة الآتية في ألم الفراق يقول فيها:[٣]
ودّعتُها وَمَدامعي
- تنهلُّ بالدَّمعِ الطَّليق
فَبَكت فأذرَت أَدمُعاً
- في صفحةِ الخَدّ الأنِيق
ومضَت تَعَضّ بنانَها
- بين التلهُّف والشّهيق
فرأيتُ دُرّاً ساقطاً
- من نرجِسَينِ على شَقيق
ورأيت مبيضّ اللُّجَيـ
- ـنِ يعَضّ محمَرّ العَقيق
قلب المحب من الهجران مكلوم
يقول سليمان بن سحمان في وصف معاناة الفراق وألمه:[٤]
قلب المحب من الهجران مكلوم
- ودمعه من فراق الصحب مسجوم
وصبره عيل فاعتلت جوارحه
- كأنه من جواء البين محموم
يشكو البعاد ولن يشفيه من أحد
- إلا أمون تسلى الهم غلكوم
تغري الهجير إذا ما احتثها فرقاً
- كأنها كوكب بالجو مرجوم
او كالمهات أحست ركض مقتنص
- يسعى بغضف لهن الصيد معسوم
أقول للراكب المزجى لمائرة
- كأنها أطم بالآل مزموم
يا أيها الراكب المزجى مطيته
- يطوي المطاوح بالأخطار مهموم
بالله عرج على الأحباب إن عرضت
- بك المقادير واستحانك الكوم
وبلغن على شط النوى قلقاً
- من شائق وامق البين مغموم
قد باح بالهجر مكنوناً يكاثمه
- فصبره بعد هذا البين معدوم
والله ما مر يوم بعد فرقتكم
- إلا وفي القلب من ذكراه يحموم
يبيت يرعى نجوم الليل من وله
- وذاك عند جميع الناس معلوم
يا ليت شعري على الهجر أوجب لي
- وفيم حبل التصال الود مصروم
هلا سمعتم بأن الهجر مشربه
- يا أهل ودي وخيم فهو مذموم
تا الله لا أستفيق الدهر أندبكم
- ما صاحب الحب في المحبوب مليوم
او يجمع الله شملاً بالنوى انصدعت
- منه العصا ففؤاد الصب مكلوم
أولو وفاء بعهد الحب حيث مضت
- فيه العقود وحبل الود مبروم
وإن تفحصتم الأخبار مجملة
- فإن منصور بالخسران موسوم
قد شب بالغدر طغياناً وشاب به
- حتى انبرى وهو بالخذلان مخطوم
يسعى بشق العصا والنور يطفئه
- والله يأبى وأمر الله محتوم
يغالب الله والإسلام من عمه
- وود لو أن حصن الدين مهدوم
يسوقه الكبر والإعجاب من بطر
- فليهنه البطر المذموم والشوم
المراجع
- ↑ إميل ناصيف، أروع ما قيل في الوجدانيات، صفحة 83.
- ↑ “شملُ الهدى والمُلْكِ عمَّ شتاتُهُ .. عماد الدين الأصبهاني”، poetsgate، اطّلع عليه بتاريخ 3-5-2019.
- ↑ “ودعتها ومدامعي”، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 3-5-2019.
- ↑ “قلب المحب من الهجران مكلوم .. سليمان بن سحمان”، poetsgate، اطّلع عليه بتاريخ 3-5-2019.