شرح قصيدة هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
مناسبة القصيدة
قيلت القصيدة في مدح الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذلك أثناء قيام هشام بن عبد الملك بالحجّ وسعيه جاهداً للوصول إلى الحجر الأسود ولكنّه لم يستطع الوصول له لكثرة الحجّاج آنذاك، فجلس على كرسي مع جماعة من كبار أهل الشام لينظر إلى الحجّاج وفي هذه الأثناء جاء الإمام زين العابدين علي بن الحسين ليقوم بالحجّ فطاف البيت الحرام ولمّا انتهى إلى الحجر ابتعد الحجّاج عن طريقه حتى يتمكّن من الوصول للحجر، فقال رجل من كبار أهل الشام لهشام بن عبد الملك: من هذا؟ فقال هشام: لا أعرفه وذلك خوفاً من أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق جالساً بينهم فقال: أنا أعرفه ثمّ قال قصيدة هذا الذي تعرف البطحاء وطأته التي سوف نشرحها في الفقرة التالية.[١]
شرح القصيدة
فيما يلي شرح القصيدة:[٢]
البيت الأول
- هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ
- وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
الشرح:
أراد الفرزدق في هذا البيت أن يعرّف هشام والموجودين بأنّ زين العابدين هو شخص معروف في مكة المكرمّة ومعروف في مواقع الحِلّ وفي مواقع الإحرام.
البيت الثاني
- هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ
- هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
الشرح:
بدأ الشاعر باسم الإشارة (هذا) للدلالة على أنّ زين العابدين هو شخص مقرّب من الناس ومعروف لديهم، حيث أراد الشاعر أن يوجّه رسالة قوية لهشام بن عبد الملك بقوله خير عباد الله كلهم، ثمّ وصف زين العابدين بالنّقاء والطهارة والعلم للدلالة على شخصه الكريم.
البيت الثالث
- هذا ابنُ فاطمَةٍ إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ
- بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
الشرح:
يورد الشاعر في هذا البيت بعض للحقائق عن الإمام زين العابدين بأنّ أمّه هي فاطمة الزهراء، وجدّه هو الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء والمرسلين.
البيت الرابع
- وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه
- العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
الشرح:
هنا يوجّه الشاعر رسالة إلى هشام فيقول له بأنّه لا يعيب الإمام زين العابدين إنّكارك له بل هذا أمر يعيب هشام، فليس هناك من عربي ولا أعجمي من لا يعرف من هو زين العابدين.
البيت الخامس
- كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا
- يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ
الشرح:
يواصل الشاعر ذكر الصفات الحسنة عند الإمام زين العابدين، فيشبّه يديه بالغيث الذي ينفع الجميع، دون أن يعتري يديه العدم.
البيت السادس
- سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ
- يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ.
الشرح:
يصف الشاعر الإمام زين العابدين بأنّه يسهل التعامل معه، وليس لديه ردود فعل حادّة، ويصفه بحسن الخلق.
الأبيات 7-10
- حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ، إذا افتُدِحُوا، حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
- ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ، لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
- عَمَّ البَرِيّةَ بالإحسانِ، فانْقَشَعَتْ عَنْها الغَياهِبُ والإمْلاقُ والعَدَمُ
- إذ رَأتْهُ قُرَيْشٌ قال قائِلُها: إلى مَكَارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ
الشرح:
يقول الشاعر بأنّ الإمام زين العابدين كان يشعر مع النّاس في همومهم الثقيلة، ويتحمّل المعاناة معهم، وقد بلغ الإمام زين العابدين من الكرم والسخاء أنّه لا يقول لا أبداً إلا في التشهّد وإعلان الوحدانية، ثمّ يكمل الشاعر في وصف زين العابدين بأنّه من إحسانه وأخلاقه انتشرت قيم العِلم وتراجع الفقر والتخلّف، وفي هذه إشارة على أنّ وجود زين العابدين هو رحمة للناس.
الأبيات 11-12
- يُغْضِي حَياءً، وَيُغضَى من مَهابَتِه، فَمَا يُكَلَّمُ إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ
- بِكَفّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ، من كَفّ أرْوَعَ، في عِرْنِينِهِ شمَمُ
الشرح:
يشير الشاعر في هذه الأبيات إلى قوة شخصية زين العابدين وتأثيره على الآخرين، وبأنّه شخص مُهاب عند الآخرين، كما أنّه دائم الإبتسامة حين الحديث معه، وبأن في يديه خيزران ذو رائحة طيّبة.
الأبيات 13-14
- يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ رَاحَتِهِ، رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَستَلِمُ
- الله شَرّفَهُ قِدْماً، وَعَظّمَهُ، جَرَى بِذاكَ لَهُ في لَوْحِهِ القَلَمُ
الشرح:
يوضّح الشاعر في هذه الأبيات علاقة زين العابدين ببيت الله الحرام فيقول بأنّ الحطيم وهو ما يحيط بالكعبة المشرفة يعرف من هو زين العابدين، كما ذكر بأنّ لزين العابدين له مكانة محفوظة في اللوح المحفوظ عند الله عز وجلّ.
الأبيات 15-20
- أيُّ الخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ، لأوّلِيّةِ هَذا، أوْ لَهُ نِعمُ
- مَن يَشكُرِ الله يَشكُرْ أوّلِيّةَ ذا فالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَمُ
- يُنمى إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ عَنها الأكفُّ، وعن إدراكِها القَدَمُ
- مَنْ جَدُّهُ دان فَضْلُ الأنْبِياءِ لَهُ؛ وَفَضْلُ أُمّتِهِ دانَتْ لَهُ الأُمَمُ
- مُشْتَقّةٌ مِنْ رَسُولِ الله نَبْعَتُهُ، طَابَتْ مَغارِسُهُ والخِيمُ وَالشّيَمُ
- يَنْشَقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غرّتِهِ كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ
الشرح:
يوضّح الشاعر في هذه الأبيات أنّ عظمة مكانة زين العابدين جائت من تمسكه بمبادئ الإسلام ومن أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام، وبأنّ زين العابدين جاء من أسرة وبيئة طاهرة ومؤمنة، ثمّ يقول الشاعر بأن من يشكر الله يجب أن يشكر عباده الذين ساهموا في نشر دين الإسلام بين الأمم.
الأبيات 21-27
- من مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وَبُغْضُهُمُ كُفْرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ
- مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ، في كلّ بَدْءٍ، وَمَختومٌ به الكَلِمُ
- إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ، أوْ قيل: «من خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم
- لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بَعدَ جُودِهِمُ وَلا يُدانِيهِمُ قَوْمٌ، وَإنْ كَرُمُوا
- هُمُ الغُيُوثُ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ، وَالأُسدُ أُسدُ الشّرَى، وَالبأسُ محتدمُ
- لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ؛ سِيّانِ ذلك: إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
- يُستدْفَعُ الشرُّ وَالبَلْوَى بحُبّهِمُ وَيُسْتَرَبّ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ
الشرح:
يوضّح الشاعر في هذه الأبيات مدى أهمية زين العبادين ويشبّه حبه بحب الدين وكرهه بالكفر، ثمّ يقول بأنّ ذكره أي ذكر أهل البيت يأتي بعد ذكر الله في كل بداية ونهاية للكلام، ثمّ يكمل وصف أهل البيت بما فيهم من كرم وجود وغير ذلك.
نبذة عن الشاعر
هو أبو فراس همام بن غالب الذي يُعرف بالفرزدق، وهو شاعر ذو شهرة واسعة في العصر الأموي، حيث اتصف الفرزدق بأخلاق حميدة ومستحبة عند قومه، وكان الفرزدق يُعظّم قبر أبيه كثيراً، وجَدُّ الفرزدق هو صَعصَعة وكان ذو شأن كبير عند العرب في الجاهلية، وهو أول من أسلم من أجداده.[٣]
مراجع
- ↑ همام بن غالب بن صعصعة أبو فراس الفرزدق،بتحقيق علي الفاعور (1987)، ديوان الفرزدق (الطبعة الأولى )، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 511. بتصرّف.
- ↑ سلمان العيد، “هذا الذي تعرف البطحاء وطأته”، www.juhaina.in، اطّلع عليه بتاريخ 21-11-2018. بتصرّف.
- ↑ محمد شريف سليم (22-7-2015)، “تراجم مختصرة للشعراء الفرزدق – جرير – عبدالله بن جعفر – ليلى الأخيليَّة أبو الأسود الدُّؤلي – حسَّان بن ثابت “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-11-2018. بتصرّف.