تعبير عن فضل الوطن
الوطن الملاذ الآمن للقلب والنفس والروح، وهو الكيان الذي يحتوينا بكل ما فيه، وهو الأرض التي لا تخون، والتراب الذي يقبلنا أحياءً، ويضمنا أمواتاً، لا شيء مثله أبداً، ولو أردنا أن نبدأ بذكر فضل الوطن ومحاسنه، فلن توفينا الكلمات، ولن تسعفنا الحروف، ولن تتسع الأبجدية كلها في ذكر مناقب الوطن علينا، كيف نستطيع أن نحصر فضله وهو الأم، وهو الأب، والعم، والخال، والصديق، وهو نحن جميعاً، ففيه رائحة الأهل، والأصدقاء، والأقارب، والأقران.
الإنسان بلا وطن، كجذع الشجرة المقطوع، الذي لا حياة فيه، وليس فيه روح، ودون وطن لا يوجد أمن ولا أمان، ولا استقرار، ولا حتى حياة، فمن كان دون وطن عاش غريباً، لا يفتح له أي باب، ولا تكفيه أشعة الشمس كلها لتزيل عتمة دربه، فليس من شعورٍ أسوأ من أن تكون غريباً، هائماً على وجهك، فارغاً من انتمائك لوطنك، كأنك وحيد يتيم، لا أحد يفكر في ضمك، أو العطف عليك.
ولأنّ الوطن يغرقتا بفضله وكرمه وعطائه، جعل الله تعالى حب الوطن عبادة، والدفاع عنه شرفاً، والموت لأجله استشهاداً، فمن ترك وطنه دون دفاعٍ، ومن تخلى عنه في محنته، يصبح منبوذاً حتى من أعدائه، فمن لم يكن خيره لوطنه، لن يكون لأحدٍ أبداً، ومن لم يدافع عن كرامة واستقلال وحرية وطنه، لن يجد قبراً يحتويه، ولا حياةً تناديه.
وفي الوطن تتفتح الزهور في القلب على مهلها، ويصبح لكلّ شيءٍ معنى، حتى غصن الشوك يصبح ورداً، لأنه من الوطن، وهذا الحب الكبير، يكون في فطرة الإنسان السليمة، التي تعشقه وتدافع عنه، وتجعله في قمة الأولويات، حتى الحزن في الوطن يكون أخف وطأةً، وأقل فتكاً، وحتى الموت في الوطن حياة، والحياة في الغربة يشوبها طعم الموت، فالغريب عن وطنه، سيظلّ يفتقد رائحة تراب بلده، وجمعة أهله وجيرانه، وحب وطنه، فبيتك لا يشبه بيوت الناس أبداً.
ومهما تغنّى الشعراء والأدباء فيه، ومهما لهجت ألسن الأمهات بالدعاء له، فالوطن يحتاج منا الفعل قبل القول، يحتاج أن نذود عنه، ونحرسه بأرواحنا وعيوننا، ونجود له بالدماء، فتراب الوطن المعجون بعرق أبنائه ودمائهم، يزهر للأجيال التي تأتي ورداً، وعزاً وفخاراً، فحتى الطيور والحيوانات تحن لأوطانها، وتعود إليها حتى لو هاجرت، لأنّ الوطن ليس له بديلٌ أبداً، ومهما كانت بلاد الغربة سخاءً ورخاءً وجناناً، ستظل ناقصةً للأبد، لأن الروح تهوى عرينها الأول والأخير، وهو الوطن، ولا شيء يعدله.