تعبير كتابي عن التسامح
الأمواج تحت الماء تتصارع، وفوق الماء يصرع بعضها بعضًا، وزبد البحر خير دليل، غيوم السماء تتصارع، والأمطار خير دليل، أحشاء الأرض تتصارع، ونتاج صراعها زلازل وبراكين، إنّها الطبيعة الأم، فطرة الخليقة جمعاء، سأنتظر سكون العاصفة، سأنتظر أن تقذفني الشطآن إلى بر الأمان. لا يزال السكون شريدًا، ابتهالات وانفعالات، هل هو كثير مطمعنا في الوفاق؟ أي كابوس هذا الذي يطاردنا، أم أي كابوس هذا الذي فررنا إليه، لنستيقظ من أجمل أحلامنا ونقضي ليلتنا مفكرين في نهاية لهذا الحلم، كي نجعلها سعيدة بما يكفي لإرضائنا، نهاية كالتي نريدها، لا كالتي كان من المقدر لها أن تكون. أحدهم قال: “إن استطعت التحكم في أحاسيسك، استطعت التحكم في حياتك.” بين المطرقة والسندان، في المنعطف الأخير، ما قبل المنحدر.
إن لم يكن دافعك الأوحد للقيام بفعلة ما هو نيل سريرتك وراحتك ورخائك، فالأحرى بك ألا تصنع شيئًا. إنّ من السهل علينا أن نتباهى بالتسامح والغفران حتى يتوجب علينا أن نفعل ذلك، حين يحدث ما يوجب فعل ذلك، لا تسامح بسهولة، لا تغفر بسرعة، اكره، إحنق، لن تشعر بداخلك يثير استيائك، لكنك لن تستمتع بالإحسان إن غفرت بسرعة، لن تستمتع حين ترى السعادة في عيني من أحسنت إليه، سيخيل إليك بأنك خيرًا تصنع، ويجب أن تسعد فيما صنعت، حينئذ، وحينئذ فقط ستتمنى لو كان بمقدورك أن لا تقف وحيدًا في مواجهة استيائك، لو كان بمقدورك أن تسكته بعوائد ما صنعت، لكن هيهات هيهات، أمام ابتسامة من أحسنت إليه، لن تستطيع أن تأتي شيئًا.
إن أسوأ ما يفعله المرء هو أن يخلق مبررًا منطقيًا ليرتكب سوءًا غير منطقي، ثم يتوجب علينا بعد أن يعود إلى رشده أن نسامحه، أي معادلة تلك التي يتساوى فيها المسيء مع الضحية.
لكن، بموجب إنسانيتنا وأخلاقنا السامية التي نحاول أن نسمو من خلالها، ومن منطلق غلبة الإحسان على الإساءة، غلبة الحب على الكراهية، غلبة الحق على الخطأ والباطل، يفترض بنا أن نسامح، وأن نعفو، وأن ننسى بعد ذلك ما حدث. عليك أن تبتسم، وأن تسامح لا تنسى أن تبتسم، وأن تتلفظ بعبارات خارجة من قلبك، أو من فمك فقط مخالفة لما تشعر به في قلبك، فقط كي تنال من إشباع غرورك ما تريد، بأنّك من تعفو وتسامح وتحسن.
عليك أن تفعل الخير ما استطعت، افعل كل الخير الذي بمقدورك أن تفعله، اصنع خيرًا إذ لا يزال بإمكانك ذلك، حتّى إذا جاء وقت أو حتّى أوقات تشعر فيها بالعجز عن القيام بذلك، في هذه الأوقات بالذات، حين تعجز عن الإتيان بذلك، هو الوقت ذاته الذي ستتمنى فيه لو أنّك فعلت ما يكفي من الخير لكي تهنأ في سريرتك، وتغمض جفون قلبك بسلام.