شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني

تعريف المقامة

المقامة هي: قصص قصيرة مضمّنة فكرة أدبية، أو فلسفية، أو خواطر أدبية، أو لمحة من لمحات الدعابة من الأدب المستطرف.

وقد عرفوها علماء آخرون في الأدب العربيّ بأنها: أحاديث أدبية لغوية يرويها راوٍ من الرواة على جماعة من الناس بقالب قصصي بقصد التسلية، والتشويق. ومهما اختلفت موضوعات المقامة، من أدبية لغوية، أو فقهية، أو خيالية، أو أخلاقية، فإن اتجاهها اللغوي التعليمي الوعظي هو الهدف الرئيسي من إنشائها.

نشأة المقامة في الأدب العربيّ

المقامة فن مستحدث من فنون النثر، نشأت في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجريّين، ويقال إنّ الدور الأقوى في إنشائها وإخراجها لحيز النور هو بديع الزمان الهمذانيّ، علماً أن هناك محاولات خجولة لكتابة المقامات قد لا تضاهي المقامات التي أبدعها بديع الزمان الهمذانيّ، لكنها تُحتسب فعلاً على تاريخ الأدب العربيّ، وكان رائدها ابن دريد المتوفي سنة ثلاثمئة وواحد وعشرين هجرية.

بديع الزمان الهمذانيّ كاتب المقامات

بديع الزمان الهمذانيّ هو: أحمد بن الحسين بن يحيى الهمذانيّ، ولد عام ثلاثمئة وثمانية وخمسين، وتوفي عام ثلاثمئة وثمانية وتسعين هجرية، ولد في همذان ودرس فيها، واتصل بالوزير والكاتب المشهور الصاحب بن عبَّاد وتعلم على يده فنون الكتابة النثرية، وأصولها، ولم يستقر به المقام في همذان؛ لأنه أحب التجوال بحثاً عن أصول كتابية جديدة تختلف عن ما هو متداول بين الناس، فأهتدى إلى فن المقامة في نيسابور، وأبدع في كتابة المقامات فيها حتى يقال إنه أملى ما يزيد عن أربعمئة مقامة بديعية على تلاميذه فيها نحلها جميعها من شخصية أبي الفتح الإسكندري، وقصرها على الكِدية (الحيلة)، والاستجداء الذكي.

شرح مقامة بديع الزمان الهمذانيّ المضيرية

مضمون المقالة

في المقامة المضيرية نجد كثيراً من الحوادث الأدبية التي احتسبت لبديع الزمان الهمذانيّ بالفطنة، والعلم، وعليه يمكننا إيجاز مضمون المقامة فيما يلي:

أبو الفتح الإسكندري هو بطل الكدية، والاحتيال على الناس، يُقدّم له لون من ألوان الطعام فيعرض عن تناوله، بل ويعرب عن إعراضه عنه بسيل من السباب، فيثير موقفه غرابة المدعوين ودهشتهم، ويسألوا أبا الفتح عن السر ليصبح المدعون والقراء جميعاً في واجهة واحدة يطلون منها على حكاية أبي الفتح مع المضيرة.

الجو القصصي في المقامة

تعتمد المقامة في بدايتها على الإثارة والتشويق، حين يشاهَد أبا الفتح الأسكندري في رهط من المدعوين على الطعام، ثم تبدأ الأحداث تأخذ منحى آخر، لعقدة النص وهو جانب يحمل بين طياته عنصراً قصصياً يثير القارئ ويشوّقه ليعرف تتمة المقامة، وما سيحدث مع أبي الفتح الإسكندري وموقفه بين التجار بعد رفضه الأكل.

تحدد المقامة مكانها كالقصة تماماً، إذ توضح أنها بدأت من البصرة، حيث التقى ذلك الرهط على طعام المضيرة، وتحدد أيضاً أبطالها من الشخوص التي ألهبت الجو القصصي في المقامة، وهم المدعون، وأبو الفتح الآسكندري، والتاجر.

عناصر المقامة

  • شخصيات المقامة: وهم التاجر، وأبو فتح الإسكندري، والمدعوون، مع طرح شرح وافٍ وتحليل لكل شخصيّة على حدة.
  • لغة المقامة: واختار فيها بديع الزمان الهمذانيّ أن يزاوج بين تكلف الألفاظ، وتسخيرها لخدمة المعنى، وتوجيهها لرسم صورة نفسيّة دقيقة لإحدى شخصيات مقاماته وهي شخصية التاجر. ومن سمات لغة المقامة:
    • إبراز اللغة المعنى وتفصيله وتوضيحه، وذلك من خلال ملاحقة الحدث وتصويره بما يشتمل عليه من مفاجئات، وتشويق، وما يقتضيه من ملاحقة، ومتابعة.
    • استخدام أسلوب السجع الذي يحوي مزيداً من الموسيقى، فهو قائم على إيقاع الوزن والقافية، ومن الأمثلة عليه: (يا غلام الخوان، فقد طال الزمان، والقصاع (المدة) فقد طال المصاع (المنازعة)، والطعام، وقد كثر الكلام، فأتى الغلام الخوان، وقلبه التاجر على المكان، ونقره بالبنيان وعجمه بالأسنان (عضه ليعلم صلابته من رخاوته)، وقال: عمر الله بغداد فما أجود متاعها، وأظرف صناعها).
    • استخدام أساليب متعددة في بناء الجملة، فزاوج بين جمل النداء، والجمل الشرطية، والجمل القائمة على التمني: (لو رأيت الدخان يغبر في ذلك الوجه الجميل، لرأيت منظراً تحار فيه العيون).
  • الحوار: جاء الحوار في أسلوب بديع الزمان الهمذانيّ محاكياً للحوار الواقعي بين شخصيتين، إحداهما ثرثارة لا تكف عن طرح الكلام، والأخرى صامتة تتلقى الحديث بمقتضاه وتجري مجراه، وهذا ما كان عليه أسلوب البديع في أغلب المقامات التي كتبها.