ما بعد الإفراج عن السجين
رسالَه من طليقٍ سجين !!!
أضغاث خواطِر هارِبَة من سجن الزّمن
صوتِي مخنوقٌ بينَ قضبانِ ذاتِي ، وتنهّدَاتِ روحِي، وصفعَة الأيّام على أعتاب قلبي ؛
عُذرَاً لا يمكنني الكلام ؛ فصوتِي ضاع بينَ الزحام !!!
يقولون اليوم هو عيدُ الفالنتين … الكل يدري ذلِك ، واللون الأحمر هو سيّد الموقِف ؛ فهوَ لون الحب ولون القلب الذي نرسمه … ولكنّه يعني لنا لون الدم ولون ملابس المحكوم عليهم بالإعدام 000 وهذا اللون ممنوعٌ على المساجين ، فأقلامهم سوداء وورودهم سوداء ، اللون الأحمر للمساجين مسموح رؤيته حين يخرجونَ من زنزانتهِم إلى زنزانَةٍ أخرى تسجنهم فيها باسم الشرف والقيَم والعادات والتقاليد ، نعم مسموح رؤيته على شكل إشارَة ضوء حمراء ، أو خط أحمر لا يمكِن تجاوزه في علاقاتِهِم مع الآخرين .
مَن هم الآخرين ؟ أليس الآخرين هم … أنا ، وأنت ، ونحن ؟؟؟ !!!
قلبِي الآن أضحى غابة محترِقة تماماً ، لم ينج منها سِوَى أشباح الماضِي …السّاعة تَدُقُ في داخِلي الآن وساعَة الحائِط غير موجودَه ، وساعة يدي مركونة على الرّف ، وساعة الزّمن تدور لتعلِن أنّ الوقتَ انتهى في الماضِي ، وتعطّلت ساعته الوحيدة لنفاذ بطاريات التشغيل مع أوّل يومٍ سُجِنتُ فيه ، وكبّلَت يدايَ السلاسٍل لتكبِّلَ معها مصير حياتي ، ومستقبل أيّامِي التي بقيت الماضِي ، وأضحى الماضِي هو الحاضِر والمستقبَـل بعد الإفراج عنِّي !
الماضِي عشماوي لدى محكمة الجنايات الكُبرى للزّمَن يتربَّص لحظَة تنفيذ الإعدام لكلِّ شيء لكلِّ الأحلام الوردِيَّة لوطَنٍ صغير كُنَّا قد أسّسناه لكنَّهُ فقدَ القاعِدَة وفقدَ اللبنَة الأساسيّة التي باتت في أيدي البشر ونظرَةَ مجتمعٍ ظالمة لا تغفر لِمَن أخطأَ في حق نفسه قبلَ كل شيء بل وتمتد لكلِّ من لهم علاقة بهذا الشخص ؛ بحيث تحوم حوله الشكوك والشبهات…نعم ، نظرَة مجتمع ليس لديه أدنى الإستعداد بأنّ يتناسَى واجبه بتجديد تنفيذ حكم الإعدام كل يوم…كل شهر…كل سنه !
الماضِي قاضٍ ظالِم ، وحاكِم ظالِم ، وجلاّد ظالِم ، وبشر ظالِم ، وزمن ظالِم ، ومجتمَع ظالِم…الماضِي سِجنٌ أبدي لِمَن طالتهُم أيادٍ وهميَّة تُسَمَّى – تدليسَاً وتلاعُبَاً بالألفاظ – تُسمّى أيادي العدالَة…الماضِي إبتسامَة صفراء تسلّلَت إلى شفاهٍ ممنوع عليها الكَسْب الحرام في زمَنِ الحرام…الماضِي بكارَةَ قلبٍ فُضَّت بإسمِ الشرف في زمَن اللاشرَف…
الماضي طلقةٍ نارِيَّةٍ طائِشَه من سِلاحٍ غير مُرَخَّص يصيبُ الهدف من أوّلِ مرّة…الماضِي قاتِل غيرمُستفيد من أسباب التبرير في قانون عقوباتٍ يرفض الجريمة في زمَنِ الجريمة والإرهاب…الماضِي قرع طبولٍ مُزعِجَة تدُقها أيادٍ فوضويَّة كتلكَ التي تُعلِن عن لحظَة الحروب والزلازل و…و…الماضِي دقَّة ساعة عقاربها تدور ولا تدور…الماضِي نقطَة مركزيَّة يدور حولَها الفراغ والعدَم !!!
الماضِي دفترٌ مفتوح صفَحَاته تنتظِر يومِيَّاً مَن سيُوَقِّع عليها لإثبات وجوده وتواجده – تحتَ طائِلَة المسؤوليّة – عن أيِّ جُرمٍ حدَثَ ويحدث وسيحدُث…الماضِي ملاحقَة لفضيحَةٍ تطاردنا في كلِّ مكان خوفَاً من الفضيحة…وهروبَاً إلى الفضيحة !!!
وعلى ذكر الفضيحة أقول…لقد أعجبَنِي جِدَّاً رد الكاتِبَة غاده السمّان عندمَا سُئِلَت عن ما تعرِفه حول فضائِح النَاس حيث قالت :
“الفضيحةُ هي أن نتذكّرَ فضائِح النّاس كي ننسى فضائحنا السريّة إن لَم تَكُن العلنيّة ، وفضائحنا التي كان يمكِن أن نقومَ بِهَا لو لَم نتراجَع آخر لحظَه…إنّ هذا العمل هو الفضيحة بنظري ، وما أدرانِي بالنّاس الأكثر حقارَه الذينَ يعرِفُونَ كيفَ يخفُونَ حكايا خياناتِهِم أكثر من أصحاب الخيانة العلنيّة ” !!!
الماضِي…إقامَـة جبريَّـة لن تنتهِي مهما إنتهت !!!
والآن أهمِسُ لك بهذا السؤال : هل أنتَ سجين أم طليق ، وبجرم ماذا أنتَ سجين ولأيِّ شرفٍ ادّعيته أنتَ طليق ، هل سجنك في نفسك ، أم نفسك سجينَه ، أم سجنك هو سجنُ غيرك الذي سُجِنتَ بسببه وأنتَ طليق ، أم أنّ سجنك هو 000 ماضيك ؟؟؟
ويبقى السؤال هو السؤال !!!
ملاحظَـة : لقد قرأتُ في إحدى الصحف أنَّ أحد الأشخاص هربَ إلى السّجن وتمَّ القبض عليه والتحقيق معه وحين سُئِلَ عن ( جرمه ) أجاب : كنتُ مسجوناً سنواتَ طويلَه وحينَ خرجتُ من السجن وجدتُ نفسي بلا مأوى أو مأكل أو مشرب ، فهربتُ إلى السجن لأنّ فيه على الأقل مأوى لي !!!