حكمة عن الامانة
في زمان قديم غابر، ظهر في الأمصار تاجر، عرفه الناس بالأمانة والصدق، شده خوفه من الله وتقواه جعلت من حوله ومن يعرفه يسمونه “التاجر الصادق”.
وفي واحدة من رحلاته التجارية التي يقوم بها هذا التاجر، فكر طويلًا في الاستقرار والعيش في بلده، حتّى يزيح عن نفسه عناء التجوال في البلاد وتعبها وشقاءها، سنة زادت وتقدم في العمر وصحته غدت تتدهور يومًا بعد آخر حتّى بات لا يتمكن من استكمال رحلة سفر، أو غدوة تجارة فضلًا عن روحتها.
رغب التاجر في العيش بحياة كريمة، بيت وعائلة يلبقان بمكانته وثروته التي حصدها طوال تلك السنين، ذهب إلى أحد الرجال الأغنياء ليشتري قصره، فاشترى التاجر البيت، وأمضى الأيام الجميلة في البيت الجديد فرحًا به مغتبطًا مسرورًا.
إلّا أنّه وبينما في يوم من الأيام يطالع التاجر بهاء قصره وسعة فناءه، فإذا به استقرت عيناه على واحد من جدران البيت الذي رأى أنّه لا يتناسق مع كل هذا البهاء والجمال، وأخذ يفكر في هدمه ليحصل على مكان أوسع ومنظر أجمل، وهكذا كان يقول في مخيلته.
طلب التاجر من العمال أن يهدموا الجدار، وما إن بدأوا فعل وذلك وهو يتابعهم بعينيه، حتّى أمرهم بالتوقف فجأة، فقد لفته ذلك الصندوق الذي أخذ يظهر شيئًا فشيئًا، فتح الصندوق فإذا هو يغصّ بالقلائد المذهبة الثمينة والأموال.
قال في نفسه: لا بدّ لي أن أعيد الصندوق إلى صاحب المنزل فهو ملكه وليس لي وهو أولى بها مني، وتساءل: إن أخذته فهو مال حرام، فهل سأقضي على كل عملي في الخير جراء صندوق مليء بالذهب.
حمل الصندوق وتوجه من فوره إلى الرجل الذي ابتاع منه البيت، ووضعه بين يديه وشرع بسرد قصته، والرجل يستمع باهتمام واستغراب، حتّى قال: أنّ الصندوق ليس ملكي، بل هو لك وملكك الآن، فأنت الذي اشتريت البيت يا عزيزي، بما فيه من مقتنياتٍ رضيتها لك، والصندوق من ضمنها.
إلّا أنّ التاجر امتنع عن أخذها، وأصرّ الاثنان على موقفيهما، وحتّى لا يتطور الخلاف إلى شقاق، اقترحا أن يذهبا إلى قاضٍ يحكم في أمرهما.
استمع القاضي للقصة وعلامات الدهشة تظهر على جبينه شيئًا فشيئًا، ثمّ قال: لم أرَ من قبل من بهذه الأمانة والحرص، سبحان الله تتنازعان في رفض صندوق من القلائد الثمينة، إنّه كنز بحق.
سأل القاضي الرجلين إن كان لديهما أبناء فقال التاجر إنّ له بنتًا وقال الرجل إنّ له فتًى، فوضع القاضي حلًا يقضي بتزويج فتاة التاجر لابن الرجل، لتصبح القلائد والأموال ملكًا لكليهما معًا.
تزوج الشابان، وأنجبا أولادًا صالحين، وعمل الشاب بالتجارة، وغدًا صاحب قصرٍ يفوق جمال قصر والده ووالد زوجته، حتّى أصبح الناس يقولون: ماذا يمكن أن يخرج من بيتين أمينين سوى كنوز من الخير والبركة والصلاح.
الأمانة غرسٌ صالح يحصدها الأمين حسناتٍ وبركاتٍ في الدنيا والآخرة.