مظاهر التنوع الثقافي في العالم وبعض أبعاد الهوية الثقافية

التنوع الثقافي

شهد العالم في السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً في وسائل الاتصال والتواصل، مما نتج عنه عمليات تبادل عديدة، وامتزاجاً بين الثقافات المختلفة، وهذا بالتحديد ما يعرف بالتنوع الثقافي، فالتنوع الثقافي ظاهرة طبيعية وسمة أساسية في المجتمعات البشرية، وهذا ما يؤكده الله سبحانه وتعالى في قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) [الروم: 22].

مفهوم التنوع الثقافي والهوية الثقافية

يشير مفهوم التنوع الثقافي إلى التعدد والاختلاف الثقافي بين أفراد المجتمع الواحد، الذين على الرغم من اختلاف خلفياتهم الثقافية، إلا أنهم يشتركون في عوامل متعددة ومنها: اللغة، القومية، وتقوم العلاقات بين الأفراد من ثقافات متنوعة على أساس الاحترام، والتشارك، والتسامح، إضافةً إلى تمتعهم بحقوق متساوية دون أي تمييز، أما الهوية الثقافية فهي محصلة التجارب التاريخية لدولة ما، كالحروب، والصراعات والخبرات تاريخية التي خرجت منها هذه التجارب، وباختصار تعتبر الهوية الثقافية لمجتمع ما، المظلة التي تجمع أفراد المجتمع على اختلاف خلفياتهم الثقافية.

العلاقة بين التنوع الثقافي والهوية الثقافية

ترتبط الهوية الثقافي بالتنوع الثقافي بعلاقةٍ وطيدة، فكل هوية لا تكتمل إلا بالثقافة، ولعل أبرز ما يميز الهوية الثقافية قدرتها على استيعاب التنوع الثقافي للشعوب، ووظيفتها التي ترتكز على جمع أفراد المجتمع من الثقافات المختلفة، لتبلور لهم في النهاية هوية ثقافية واحدة تجمعهم.

لعل أبرز مثال على العلاقة بين التنوع الثقافي والهوية الثقافية الهوية الإسلامية، التي جمعت قوميات متعددة، وجنسيات مختلفة، وخلفيات ثقافية متنوعة داخل هوية ثقافية واحدة، وهي الهوية الإسلامية.

مظاهر التنوع الثقافي وأبعاد الهوية الثقافية

تسود العالم اليوم العديد من الثقافات المتنوعة، فلا وجود لثقافة واحد سائدة بل لكل جماعة إنسانية خصوصية تميزها عن غيرها من الثقافات، بحيث يجمعها مركب متجانس من القيم، والمعارف، والرموز، فقد نجد بعض الثقافات تميل إلى الانغلاق، والبعض الآخر يكن أكثر انفتاحاً.

يوجد تنوع ثقافي في إطار الوحدة اللغوية كما هو حاصل في الثقافة العربية، بالإضافة إلى شعوب أمريكا اللاتينية التي لها خصوصيات التنوع نفسها في إطار لغة موحدة، وعلى الرغم من أنّ التنوع الثقافي ضرورة بشرية، فقد أظهر التاريخ وجود صدامات متكررة بين الثقافات المتنوعة غالباً ما ينجم هذا النوع من الصراعات نتيجة لعدم تقبل الآخر، وبالتالي الدخول معه في زوبعة من الحروب والنزاعات.

ثقافات متنوعة

إنّ الحضارات الإنسانية منقسمة ومتنوعة، فالتعدد الملاحظ على مستوى الثقافات بين الأفراد، والجماعات، والشعوب موجود منذ الأزل، ومن أبرز الثقافات الموجودة:

الثقافة الإسلامية

تقوم في أساسها على ضرورة معرفة مقومات الأمة الإسلامية العامة، بحيث تستمد قيمها وتشريعاتها ومنهجها من القرآن والسنة النبوية.

الثقافة الهندوسية

هي تعتبر من أكبر الثقافات الموجودة منذ القدم، وتنبذ هذه الثقافة العنف بشكل أساسي، وتنادي بالسلام، وتقوم العلاقة بين اتباع هذه الثقافة على الاحترام، وفلسفتهم الروحية الخاصة، وتقوم هذه الفلسفة على الاعتقاد أنّ الله موجود في كلّ المخلوقات الحية.

لا يمكن حصر وتعداد الثقافات الموجودة وذلك لكثرتها لكن يمكن القول إنّ الثقافة الإسلامية والهندوسية هي من الثقافات الأكثر جدلاً في العالم المعاصر اليوم.

أبعاد الهوية الثقافية

كل الثقافات في المجتمعات الإنسانية تسعى إلى الحفاظ على هويتها التي تميزها عن غيرها من الثقافات، وتعطيها طابعاً مميزاً، وبالتالي استقلاليتها، ومن الملاحظ في الفترة الأخيرة ظهور قوى عالمية تحاول فرض ثقافتها على جميع الثقافات، وتوحيد العالم تحت إطار ثقافة القطب الواحد، وبالتالي وجود خطر يهدد الهوية الثقافية للثقافات المختلفة، مما ينتج عنه الأبعاد الآتية:

  • انتفاض المجتمعات للحفاظ على هويتهم التي تشكل أساساً للعيش بحياة مستقرة تحفظ لهم خصوصيتهم، وبالتالي حدوث صدام ثقافي مع الآخر.
  • تكريس الحروب والصراعات بين الثقافات المختلفة، ولا يمكن تجاوز هذه الصراعات إلا بالإقرار بخصوصية كلّ ثقافة.
  • الانتقال من التسامح إلى التعصب، واستبدال الحوار بالنزاع ، بالإضافة إلى الانغلاق بدلاً من الانفتاح.